سورة الحجر - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} أي: رسلا {فِي شِيَعِ الأوَّلِينَ} أي: في الأمم والقرون الماضية.
والشيعة: هم القوم المجتمعون المتفقة كلمتهم.
{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} كما فعلوا بك، ذكره تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم.
{كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ} أي: كما سلكنا الكفر والتكذيب والاستهزاء بالرسل في قلوب شيع الأولين، كذلك نسلكه: ندخله {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} يعني: مشركي مكة قومك. وفيه ردٌّ على القدرية.
{لا يُؤْمِنُونَ بِهِ} يعني: لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن {وَقَدْ خَلَتْ} مضت {سُنَّةُ الأوَّلِينَ} أي: وقائع الله تعالى بالإهلاك فيمن كذب الرسل من الأمم الخالية، يخوِّف أهل مكة.
{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ} يعني: على الذين يقولون لو ما تأتينا بالملائكة {بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} أي: فظلت الملائكة يعرجون فيها، وهم يرونها عيانا، هذا قول الأكثرين.
وقال الحسن: معناه فظل هؤلاء الكفار يعرجون فيها أي: يصعدون. والأول أصح.


{لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ} سُدَّت {أَبْصَارُنَا} قاله ابن عباس.
وقال الحسن: سحرت.
وقال قتادة: أخذت.
وقال الكلبي: عميت.
وقرأ ابن كثير {سُكِرَتْ} بالتخفيف، أي: حُبست ومُنعت النظر كما يسكر النهر لحبس الماء. {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} أي: عمل فينا السحر فَسَحَرَنا محمد- صلى الله عليه وسلم-.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} والبروج: هي النجوم الكبار، مأخوذة من الظهور، يقال: تَبَرَّجت المرأة أي: ظهرت.
وأراد بها: المنازل التي تنزلها الشمس، والقمر، والكواكب السيارة، وهي اثنا عشر برجًا: الحَمَل، والثَّور، والجَوْزاء، والسَّرَطان، والأسد، والسُّنْبُلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجَدْي، والدلو، والحوت.
وقال عطية: هي قصور في السماء عليها الحرس.
{وَزَيَّنَّاهَا} أي: السماء بالشمس والقمر والنجوم {لِلنَّاظِرِينَ}.


{وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} مرجوم. وقيل: ملعون.
قال ابن عباس: كانت الشياطين لا يحجبون عن السموات وكانوا يدخلونها، ويأتون بأخبارها فيلقون على الكهنة، فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سموات، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات أجمع، فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رُمي بشهاب، فلما منعوا من تلك المقاعد ذكروا ذلك لإبليس، فقال لقد حدث في الأرض حدث، قال: فبعثهم فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن، فقالوا: هذا والله ما حدث.
{إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} لكن من استرق السمع {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} والشهاب: الشُّعلة من النار.
وذلك أن الشياطين يركب بعضهم بعضًا إلى السماء الدنيا، ويستَرِقُون السمع من الملائكة، فيَرْمون بالكواكب فلا تخطئ أبدًا، فمنهم من تقتله، ومنهم من تحرق وجهه أو جنبه أو يده أو حيث يشاء الله، ومنهم من تخبله فيصير غولا يضلّ الناس في البوادي.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمروٌ، قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربتِ الملائكةُ بأجنحتها خُضْعَانًا لقوله، كأنه سلسلةٌ على صَفْوان، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق، وهو العليُّ الكبير، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض- ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدَّد بين أصابعه- فيسمعُ أحدهم الكلمةَ فيُلْقيها إلى مَنْ تحته، ثم يلقيَها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشِّهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذبُ معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا، فيصدَّقُ بتلك الكلمة التي سمعت من السماء».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدَّثنا محمد بن أبي مريم، حدثنا الليث، حدثنا ابن جعفر، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الملائكة تنزل في العَنَان، وهو السحاب، فتذكر الأمر الذي قُضِيَ في السماء فتسترقُ الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكُهَّان، فيكذبون معها مائة كذبةٍ من عند أنفسهم».
واعلم أن هذا لم يكن ظاهرًا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكره شاعر من العرب قبل زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ظهر في بدء أمره وكان ذلك أساسًا لنبوته عليه السلام.
وقال يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق: إن أول من فزع للرمي بالنجوم هذا الحي من ثقيف وإنهم جاؤوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بني علاج، وكان أهدى العرب، فقالوا له: ألم ترَ ما حدث في السماء من القذف بالنجوم؟ قال: بلى، فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يُهتدى بها في البر والبحر وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس من معايشهم هي التي يرمى بها فهي- والله- طي الدنيا وهلاك الخلق الذي فيها، وإن كانت نجوما غيرها، وهي والله ثابتة على حالها فهذا الأمر أراده الله تعالى بهذا الخلق.
قال معمر قلت للزهري: أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية؟ قال: نعم، قلت: أفرأيت قوله تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} الآية [الجن- 6]؟ قال: غلِّظت وشُدِّد أمرها حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن قتيبة: إن الرجم كان قبل مبعثه- صلى الله عليه وسلم- ولكن لم يكن مثله في شدة الحراسة بعد مبعثه.
وقيل: إن النجم ينقض فيرمي الشياطين ثم يعود إلى مكانه، والله أعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8